مجلة التمويل والتنمية, ديسمبر 2017 • المجلد 54 • العدد 4    النص

الوصول إلى الهدف — الشرق الأوسط

على البلدان المنتجة للنفط التركيز على كيفية تنويع اقتصاداتها

رابح أرزقي

أقدم كثير من البلدان الغنية بالنفط والغاز — بما في ذلك تلك الواقعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل الجزائر والمملكة العربية السعودية — إما على إعلان سياسات للحد من اعتمادها على النفط عن طريق تنويع اقتصاداتها أو التنفيذ الفعلي لمثل تلك السياسات. وقد أدى انهيار أسعار النفط — الذي بدأ في عام 2014 (راجع الرسم البياني) والمتوقع أن يطول أمده — إلى وضع التنويع الاقتصادي في صدارة النقاش الدائر بشأن السياسات.

وعلى الرغم من أن كثيرا من البلدان المصدرة للوقود الأحفوري يتفهم ضرورة التنويع الاقتصادي، لم يتمكن سوى القليل منها من تحقيقه. وأظهرت السوابق التاريخية أن تلك البلدان الغنية بالنفط تجد صعوبة في تنويع اقتصاداتها بعيدا عن استخراج النفط — وهو ما يرجع في جانب كبير منه إلى أن منهج العمل من أعلى إلى أسفل المتبع في البلد المعني لم يمنح الثقة أو الحافز للمديرين وسائر الوكلاء الاقتصاديين لاعتناق أفكار جديدة والابتكار والمجازفة.

فعلى سبيل المثال، لا تعمل هياكل الحوافز في شركات النفط المملوكة للدولة في كثير من بلدان العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على تشجيع المديرين والموظفين باستمرار على إطلاق كامل إمكاناتهم وتطبيق تكنولوجيات حديثة تؤثر بسرعة على صناعتها. وتعكف كثير من الشركات المملوكة للدولة على القيام بمهام خارج نطاق نشاطها واختصاصاتها الرئيسية، ولا تقدّم من الابتكارات إلا القليل، وتكافح للاحتفاظ بالموظفين الموهوبين لديها. والأسوأ من ذلك، أن عددا من شركات النفط المملوكة للدولة في مختلف أنحاء العالم تعاني من أعباء الدين الثقيلة، رغم ما لديها من احتياطيات نفطية كبيرة بتكلفة استخراج منخفض نسبيا.

تحويل التركيز

ولكن إذا قامت البلدان بتحويل تركيزها من الهدف النهائي، وهو التنويع الاقتصادي، إلى كيفية الوصول إلى الهدف — أي إلى عملية التحول الاقتصادي — فقد تكتشف أن التنويع أسهل. إذ إن الجهد المطلوب يتضمن اتخاذ خطوات للتحول بعيدا عن قطاع النفط والغاز المهيمن. ويتضمن التركيز على عملية التحول اعتماد منهج إزاء ذلك القطاع المهيمن بحيث يمكن أن تنتقل آثاره إلى قطاعات خارج نطاق الهيدروكربونات، بل ويساعد في تشجيع تلك القطاعات. أي أنه باعتماد منهج التحول، سوف تركز البلدان على توفير الحوافز السليمة للمديرين وسائر الوكلاء الاقتصاديين وتحويل أسواق التكنولوجيا والطاقة المبتكرة إلى أصدقاء بدلا من نظرة العداء المُربِك الحالية. وسوف تقل احتمالات تعثر البلدان التي تتخذ هذا المنهج أو مقاومتها التغيير.

ويمكن أن تساعد التغيرات التكنولوجية في أسواق الطاقة على تحقيق استمرارية الاقتصادات التي تعتمد على الإيرادات النفطية. فالنظم الاقتصادية الأسرع تحركا والتي تتمتع بهياكل ملائمة لحوكمة الشركات — بحيث تسمح بتمكين المديرين والموظفين — سيكون بوسعها الاستفادة بسهولة أكبر من التكنولوجيا الحديثة في التخفيف من حدة المخاطر المصاحبة للانقطاعات المحتملة في أسواق الطاقة بل وخلق فرص جديدة. وعلى سبيل المثال، غالبا ما تكون الشركات ذات الأسهم المطروحة للتداول العام أفضل حالا من الشركات المملوكة للدولة (أو حتى الشركات الخاصة). ونظرا لأن هذه الشركات تخضع للمساءلة أمام المساهمين، فمن الأرجح أن تتكيف مع الظروف المستجدة وأن تظل في الصدارة.

تعكف كثير من الشركات المملوكة للدولة على القيام بمهام خارج نطاق نشاطها واختصاصاتها الرئيسية.

وعلى المستوى القُطْري، نجد أن غياب مساءلة الحكومة مع ملكية الدولة لقطاع النفط يؤديان إلى تعرض البلدان لمخاطر كبيرة. وغالبا ما يكون هذا القطاع مقاوما لأي تغيرات في التكنولوجيات المنتجة والمستخدمة للطاقة والتي يمكن أن تؤثر تأثيرا بالغا على أسواق الطاقة.

ومن الأمثلة على ذلك، على جانب إنتاج الطاقة، ظهور تكنولوجيا المزج بين التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي. فقد أدت هذه التقنية إلى تسهيل إنتاج النفط الصخري بشكل كبير، مما أدى إلى تغيير ديناميكية سوق النفط. وفي نهاية المطاف سيؤدي النفط الصخري، الذي يمكن إنتاجه ووقف إنتاجه بسرعة أكبر وبتكلفة أقل من التنقيب المعتاد، إلى تقصير دورات أسعار النفط وخفض معدل تواترها حيث يمكن تسريع وتيرة الإنتاج عند ارتفاع الأسعار وإبطاؤها عند انخفاض الأسعار. وهناك أيضا من يقول إن الزيادة السريعة في إنتاج النفط الصخري —إلى 5 ملايين برميل يوميا في سوق عالمي ينتج 94 مليون برميل يوميا — ساهمت في وفرة المعروض النفطي التي أدت إلى انهيار أسعار النفط.

وهناك مثال آخر يتناول التغييرات التي طرأت على التكنولوجيا المستخدمة للطاقة. فمع زيادة استخدام السيارات الهجينة والكهربائية، سيعتمد قطاع النقل بصورة متزايدة على قطاع الكهرباء والعكس بالعكس، في حين سيتضاءل دور المنتجات النفطية. وليس هذا بالخبر السار بالنسبة للنفط، الذي ظل استخدامه الأساسي لأغراض النقل — عن طريق منتجات مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات. وستؤدي التغيرات التكنولوجية أيضا إلى تحفيز المنافسة التي يواجهها النفط من مصادر الطاقة الأخرى — مثل الغاز الطبيعي وصولا في النهاية إلى موارد الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويرتبط التغير التكنولوجي بالطبع بمستوى أسعار الطاقة أو بوجه أعم بالحاجة إلى الابتكار — مثلا عندما يكون أمن إمدادات الطاقة معرضا للخطر كما حدث خلال أزمة النفط في سبعينات القرن الماضي.

وتذهب فرضية يطلق عليها اسم "ذروة إنتاج النفط"، ظهرت في منتصف الخمسينات، إلى أن إنتاج النفط على المستوى العالمي، الذي يقيده الواقع الجيولوجي والقدرة على استخراج النفط، سيصل إلى ذروته قرابة عام 2020. وكان يبدو لعدة سنوات أن هذه الفرضية ستتحقق. ولكن مع اقتراب الموعد المفترض لبلوغ الإنتاج ذروته، بدأت انطلاقة ثورة النفط الصخري. ومن الممكن اعتبار هذه الثورة، في جوانب عديدة منها، وما ترتب عليها من زيادة المعروض، رد فعل المعروض النفطي لارتفاع الأسعار في الألفينات، مدفوعا بالتوسع الاقتصادي في الصين وما نجم عنه من توسع سوق النفط. وقد شكل ذلك الأمر تحديا مباشرا لرؤية "ذروة إنتاج النفط" المفرطة في التشاؤم بأن العوامل الجيولوجية ستؤدي إلى نقص المعروض.

غير أنه ليس من الواضح إلى أي مدى سيؤدي انخفاض الأسعار نتيجة ثورة النفط الصخري إلى تأخير تحول قطاع النقل بعيدا عن استخدام النفط. وفي الواقع هناك أدلة على أن الشركات العاملة في صناعة السيارات تميل إلى زيادة ابتكاراتها فيما يطلق عليه اسم التكنولوجيا النظيفة لدى تعرضها لارتفاع أسعار الوقود.

الأصول المحبوسة

من الضروري تفهم دور التغيير التكنولوجي في أسواق الطاقة لأن مثل هذا التغيير له أهمية كبيرة في تحديد مصير النفط من جهة ومصير البلدان والشركات التي تعتمد عليه من جهة أخرى.

ويمثل التحول إلى الطاقة منخفضة الكربون أو الخالية منه (مثل مصادر الطاقة المتجددة) هدفا رئيسيا للجهود الرامية إلى احتواء ظاهرة الاحترار العالمي وهو ما قد يلحق الضرر بالبلدان الغنية بالنفط. فانخفاض الطلب على أنواع الوقود الغنية بالكربون، كالنفط، قد يؤدي إلى عزوف البلدان عن استغلال احتياطياتها لعدم جدواها الاقتصادية — مما يحيل تلك الاحتياطيات إلى ما يطلق عليه الأصول المحبوسة.

ويبرز اتفاق باريس التاريخي لعام 2015، الذي يهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية لأقل من درجتين مئويتين، مدى التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري بدعم من التغيرات في تكنولوجيا إنتاج الطاقة واستخدامها (مثل مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية والهجينة). وهناك أدلة تفيد بأن ثلث النفط، ونصف الغاز، و80% من احتياطيات الفحم ستظل حبيسة تحت الأرض إلى الأبد في حالة تحقيق أهداف هذا الاتفاق (راجع مقال"ثروة الأمم التي لا ينبغي حرقها"، في عدد مارس 2017 من مجلة التمويل والتنمية). وتأتي البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط من بين البلدان الأكثر تضررا. فلا يمكن حرق نحو 260 مليار برميل من النفط في الشرق الأوسط إذا ما أراد العالم تحقيق هدفه بشأن الاحترار. وإلى جانب النفط، فإن المعدات وغيرها من رؤوس الأموال المستخدمة في استكشاف واستغلال تلك الاحتياطيات ستصبح محبوسة أيضا.

ويتزايد في الوقت الراهن حجم الأصول المحتمل بقائها محبوسة. فالاكتشافات الهائلة الأخيرة من النفط والغاز (في مصر وإسرائيل ولبنان) تؤدي على اتساع قائمة البلدان التي قد لا تخرج أصولها من النفط والغاز من باطن الأرض. ومع الزيادة الكبيرة في عدد البلدان المعرضة لمخاطر الأصول المحبوسة، أصبح من أولويات الحكومات والشركات تنويع أصولها لمساعدتها على التكيف مع هذه المخاطر والتخفيف من حدتها.

الحد من انبعاثات الكربون

في معرض أي مسعى إلى تنويع الاقتصاد، سيكون التحرك نحو خفض عنصر الكربون في الطاقة مفيدا نظرا لأنه يتيح للبلدان فرصا كبيرة لتسخير إمكاناتها للاستفادة من الموارد المتجددة غير المستغلة نسبيا. ولا تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باحتياطيات هائلة من النفط فحسب، ولكن لديها أيضا موارد كبيرة وغير مستغلة إلى حد بعيد من الطاقة المتجددة. فكل ست ساعات من أشعة الشمس تبعث في صحاري العالم قدرا من الطاقة يفوق ما يستهلكه كوكب الأرض في عام كامل، وفقا لمبادرة تقنية الصحراء (DESERTEC) – وهي مبادرة تنطوي رؤيتها المعنية بوضع خطة عالمية للطاقة المتجددة على تسخير الطاقة القابلة للاستمرار من المناطق ذات مصادر الطاقة المتجددة الوفيرة. وأظهرت دراسات "المركز الألماني للفضاء" (German Aerospace Center) أن شمس الصحراء يمكن أن توفر بسهولة إمدادات الطاقة التي تكفي لتلبية الطلب المتزايد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأن تساعد كذلك في إمداد أوروبا بالطاقة.

وتتيح الطاقة الشمسية وغيرها من أصول الطاقة المتجددة للبلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة لتحييد أثر مخاطر الأصول المحبوسة من النفط والغاز. فالإشعاع الشمسي يبلغ أعلى المستويات في تلك المنطقة - وأجزاء من آسيا والولايات المتحدة — وفقا للإدارة الأمريكية الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا).

معدلات التوظيف المرتفعة في القطاع العام بتمويل من الإيرادات النفطية تسببت في تقييد زخم الابتكار

ويمكن أن تسهم هذه الموارد من غير النفط والغاز في تلبية الطلب المتنامي بسرعة على الكهرباء من أعداد السكان المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. غير أن تسخير الطاقة المستمدة من المصادر المتجددة يستلزم أن تعمل المنطقة على تحسين وتوسيع البنية التحتية، وتحسين المستوى التعليمي لسكانها، وتعزيز قوة الدولة، وإتاحة حوافز مناسبة لتشجيع المديرين الاقتصاديين ورواد الأعمال على اعتماد أحدث التكنولوجيات المتاحة. وشرعت بلدان عديدة بالفعل في إطلاق مشروعات طموحة لتعزيز قطاع الطاقة المتجددة لديها. فالإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تود أن تصل نسبة استهلاكها الأساسي من الطاقة من الموارد المتجددة إلى 24% بحلول عام 2021. وكشفت المغرب عن انطلاق المرحلة الأولى من إنشاء محطة ضخمة للطاقة الشمسية في منطقة الصحراء الكبرى يُتوقع أن تبلغ طاقتها المجمعة 2 غيغاواط بحلول عام 2020، مما يجعلها أكبر مشروع قائم بذاته لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم.

ضرورة ملحة

مع تراجع أسعار النفط والغاز قد يصبح التحول حتميا. ويبدو أن المثل القائل "الحاجة أم الاختراع" له صدى خاص في البلدان الغنية بالنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي اهتزت بسبب تراجع أسعار النفط وأدركت أن عليها أن تطور اقتصاداتها بحيث تكون قادرة على الصمود أمام التغيرات في أسواق الطاقة. فقد عمدت دبي، على سبيل المثال، التي تواجه نضوب احتياطياتها النفطية، إلى التحوُل إلى مركز عالمي للتجارة. ويجب على البلدان ومشروعات الأعمال التي تعتمد على هذه الأسواق، وما تحققه من إيرادات، أن تصوغ سياسات لمواجهة المخاطر واغتنام الفرص التي يطرحها التحول.

وهناك عوامل مؤسسية، مثل حوكمة الشركات والنظم القانونية والأسواق المفتوحة للمنافسة —التي تخلو من حواجز الدخول والخروج — وإنفاق المحسوبية في الشركات المملوكة للدولة، تؤثر على السلوك تجاه الابتكار والانفتاح إزاء الأفكار الجديدة، وبالتالي على عملية التحول في البلدان الغنية بالنفط. فعلى سبيل المثال، نجد أن معدلات التوظيف المرتفعة في القطاع العام بتمويل من الإيرادات النفطية تسببت في تقييد زخم الابتكار. ومن غير المرجح أن تؤدي السياسات الاقتصادية غير الموجهة نحو تغيير السلوكيات إلى تنفيذ خطة التحول اللازمة للبلدان الغنية بالنفط.

ويبدو أن المملكة العربية السعودية — وهي أهم بلد منتج للنفط في المنطقة بل وربما في العالم — تدرك ضرورة تعزيز مصدر ثرواتها طيلة الحياة بمصادر دخل غير نفطية. فقد أعلنت المملكة، في إطار خطتها الطموحة لتحويل اقتصادها، عن طرح عام لأسهم شركة النفط المملوكة للدولة، أرامكو، للتداول العام. ويبدو أن هذه الخطة تحاكي الشركات الغربية المملوكة للقطاع العام، مثل شركة إكسون، التي كانت تركز على النفط في السابق ولكنها وسعت مجال تركيزها لتصبح شركات للطاقة وحققت التوازن بين أصولها النفطية وأشكال الطاقة الأخرى.

وكان التركيز على تحقيق الهدف النهائي، المتمثل في تنويع الاقتصاد، هو ما حال دون تنفيذ بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عملية التحول بالشكل الصحيح. فيجب أن تبتعد السياسات ذات الأثر التحويلي عن مناهج التطبيق من أعلى إلى أسفل التي تنتقي قطاعات معينة لتطويرها. وبدلا من ذلك، ينبغي أن تعمل على تهيئة بيئة مواتية تشجع على فتح الأسواق أمام المنافسة وتغيير الحوافز المقدمة للمديرين وأصحاب المشروعات من الشباب ذوي الدراية التكنولوجية ومساعدتهم، وشركاتهم، وفي نهاية المطاف الاقتصاد بأكمله، على تحقيق كامل الإمكانات.


رابح أرزقي، رئيس وحدة السلع الأولية سابقا في إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي، وهو حاليا كبير الاقتصاديين الجديد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي.